استيقظ جمال متثاقلا مكدر الصفو كعادته على صوت الالات الحفر اسفل منزله فقد كانت الاعمال جارية هناك منذ اكثر من شهر ودفع نفسه بكسل نحو باب الغرفة
لكي يرد علي امه التي تناديه بصوتها الدافئ معلنه له بان الساعة السابعة قد قاربت على الانتصاف
اكمل جمال طقوسه الصباحية وشارك امه الافطار قبل ان يقبل يداها ويطلب رضاها بينما كانت هي تدعي له بالتوفيق والصلاح فجمال هو وحيد والدته بعد وفاة
والده منذ ما يقارب الاثنى عشر سنه بينما هاجرت اخته اسماء بعد زواجها الى خارج البلاد قبل اربع سنوات
سارع الخطى نحو عمله في محل السيد عثمان صديق والده الاسبق الذي قد اشفق على جمال وظروفه الصعبة فقام بتوظيفه في محله بمرتب لا يكاد ان يسد
رمق جمال ووالدته
توقف جمال قبل ان يصل الى محل عمله بشارع او اثنين واختار ناصية قصية لكي يقف فيها مترقبا مناظرا ساعته من حين لآخر وقد اعتلت وجهه علامات القلق والوجوم ولكنها لم تلبث ان
تتحول الى فرح طفولي امتزح بلمحة من الارتباك وهو يرنو الى فتاة تقطع الشارع المقابل في خطوات ثابته موجهة نظرها الى الارض في خجل متاملا ذاك الجمال البريء الذي حباها به
الخالق قبل ان تتجه نحو شارع اخر موازي فعاد جمال الى رشده واستكمل طريقه نحو المحل ولم يكد يدخل حتى بادره السيد عثمان بذاك الموشح الصباحي الذي اعتاد ترديده على مسامع
جمال حول الانظباط في العمل واحترام مواعيده وعادة ما يطيل عثمان هذا الحديث ولكن جمال لم يهتم يوما لفحواه فقد كان عقله لا يزال يفكر في حنان - وهو اسم الفتاة - فقد كانت رؤيتها
صباحا هي الشيء الوحيد الذي يدفعه الى تحمل ترهات الحياة وترهات عثمان تحديدا واصبح مع الوقت مدمنا لتلك اللحظات المعدوده التي يراها فيها ولعن نفسه الف مرة على ذاك الجبن
الذي يعتري نفسه والذي يمنعه من مصارحتها باعجابه بها او حتى بان يحيها تحيه الصباح ولكنه لطاما تسائل حول سر ذالك الحزن الذي تخفيه عينا حنان الا انه سعادته برؤيتاه كانت تنسيه
هذا الشعور
ولم يقطع حبل افكاره هذا الا صياح السيد عثمان بصوته الاجش وهو يطالبه بالكد في العمل فتنهد جمال تنهيدة حارة من الاعماق ورد بصوت جامد خلى من اي تعبير: حاضر يا حاج والتفت
نحو مكان عمله فقد ادرك انه عاد الى ارض الواقع وان عليه ان ينتظر الغد كي يرى حنان