الأحد، 26 يوليو 2009

جـــــــــــــــــــــمال ....(4)





استغرق جمال بضع لحظات محاولا استيعاب ما حصل منذ دقائق لقد احس بصدمة لم يسبق لها مثيل فها هي

الحياة تواصل لعبتها الدنيئة معه وتواصل اقصاء احلامه الواحد تلو الاخر لقد سلبت منه الارادة وقتلت فيه الطموح

مغلقة كل المنافذ في وجه وتذكر حينها كلمات صديقه اسعد الذي هاجر الى خارج البلاد بعد ان سُدت كل الابواب

في وجهه هو الاخر وحاول عبثا دفع جمال الى الهجرة معه الا ان هذا الاخير قد استبعد الفكرة خاصة انه الوحيد

الباقي للاعتناء بوالدته

ضلت هذه الافكار تدور في راس جمال الذي كان يجوب الشوارع هائما دونما أي تركيز بل انه حتى لم يدري اين

كانت قدماه تحملاه واستمر على هذا الحال حتى انتبه ان الشمس قد بدات رحلتها نحو المغيب وان حلول الظلام

لا يبعد الا بضع دقائق فقرر العودة الى المنزل ولم تكد هذه الفكرة ان تدخل طور التنفيذ حتى سمع صوت الاذان

يرتفع من احد المساجد القريبة و وسط حالته هذه شعر انه في حاجة ماسة الي التقرب لله فتتبع مصدر الصوت

حتى وصل اليه

مرت الدقائق قبل انتهاء الصلاة وخرج جمال وبعض الطمأنينة قد سكنت قلبه الا ان تلك الافكار السوداوية قد

ضلت تجتاح مخيلته واتجه صوب منزله وما ان دخله حتى استقبلته امه والارتياح يبدوا على محياها : الحمد لله

على سلامتك يا ولدي اين كنت لقد ذهبت الى المستشفى فاخبروني بانك غادرتها ؟

لم يدري ما الذي دفعه الى هذا فبدون مقدمات انفجر باكيا وارتمى في حضن والدته التي اعتراها القلق وقالت

الابنها في خوف: ماذا بك يابني هل اخبرك الاطباء بشي ؟ هل انت بخير اخبرني؟

مرت لحظات قبل ان يتوقف عن البكاء وطمأن امه وجلس كي يخبرها كل الاحداث التي مرت به وعن حنان واحلام

وظلت الأم منصتة في اهتمام لكل كلمة يقولها حتى فرغ جمال من الحديث فقالت: اه يا ولدي كم عانيت ........

ولماذا لم تخبرني بهذا من قبل ؟

- لا ادري فقد تسارعت الاحداث في اليومين الماضيين ولم اجد الفرصة ولكن هل اخطات في ما فعلت؟

اخبريني يا أماه ماذا افعل؟

- يا بني ان كنت تحب هذه الفتاة فعلا وكنت قد اخترتها شريكة لحياتك وطالما انها فتاة طيبة فلا تجعل

مرضها يقف عائقا في طريقكما بل ان الله سيجزيك خيرا على عنايتك بها في مرضها ولكن يجب ان تعرف موقفها

.... يا بني لقد كنت طول عمرك نعم الابن وتحملت العذاب والهم وعملت جاهدا لقد حان الوقت لك كي تشعر

بالسعادة اذهب يا بني وابحث عن عائلتها واطلب منهم ابنتهم لكن قبل ذلك حاول ان تكلمها وتفهم موقفها اولا

اما الأن فحاول الخلود الى الراحة قليلا ريثما اجهز لك العشاء

رجعت الروح الى جمال بعد كلمات امه وانفرجت سريرته الا انه ضل قلقا بعض الشيء خاصة عندما يتذكر ردة

فعل حنان حين طلب منها الزواج واكمل عشائه واتجه لفراشه كي ينام مبيتا النية بان يذهب صباحا لحنان كي

يضع النقاط........... على الحروف

******************************************************************************

منذ انبلاجات الصباح الاولى كان جمال في منتصف الطريق نحو بيت احلام فقد قرر الانطلاق مبكرا قبل مغادرتها

البيت ومنى نفسه بان تاخد الامور هذه المرة منحى آخر وان يستطيع فهم حنان بل والاهم ان يستطيع هو

افهامها ما يريد وصل بعد دقائق الى البيت وقرع جرس الباب وما هي ثواني الا واحلام قد فتحته والدهشة بادية

على وجهها : جمال ؟ ما الذي اتى بك في هذه الساعة المبكرة؟

- صباح الخير, اسف على حضوري في هذا الوقت ولكني لا اطيق صبرا اكثر من هذا و ارغب في الحديث

الى حنان لو سمحتِ

- ولكن حنان ليست هنا لقد عادت الى منزل عمها

كان هذا دور جمال ليصاب بالدهشة فلم يسمع عن عمها من قبل وكانت معلوماته تنحصر في ان حنان يتيمه

الوالدين فقال في صوت متردد: عمها ؟ ولكن أليست حنان تسكن معك وان ليس لها عائلة من بعد رحيل والديها؟

تنهدت احلام وادركت بان جمال يجهل هذا الجزء الغامض عن حنان وبان عليها ان تشرح له فهو لن يتركها قبل ان

يفهم فقال: حسنا .... ان والدي حنان كما تعلم قد توفاهم الله في حادث منذ سبع سنوات ولكن لها عم لا يزال

على قيد الحياة وهو الوصي عليها والوحيد المتبقى من عائلتها

ازدادت حيرة جمال فبادر بسؤالها: ولكن طالما ان لها عم فلماذا تسكن معك هل لضيق ذات يده؟

- على العكس فعمها ذو منصب كبير ونفوذ في البلد ولكن زوجته لا تطيق حنان ولطالما اسائت معاملتها

وكما تعرف فحنان حساسة للغاية فلذلك كانت تهرب من جحيم هذه المرأة وتاتي لتسكن عندي من حين لآخر

لم يكن جمال مستعدا لان يترك هذا العائق يقف في طريقه فلا عمها ولا الف رجل سيمنعونه عن الوصول لحنان

فقال في صوت كله اصرار: حسنا واين يسكن عمها هذا؟

دهشت احلام هذه المرة ايضا فلو تتوقع بان يكون بهذه الجرأة فقالت في تردد : اعتقد ..... اعتقد انه ليس من

الملائم ان تذهب الى هناك فقد ......

قاطعها جمال وقد ازداد اصرارا وحزما : ارجوك يا احلام دعي هذا الامر لي فقط اعطني العنوان

لم يكن بيدي احلام الكثير لتفعله فوسط اصرار جمال وحزمه لم تقوى الا علي ان تمليه العنوان فانطلق فورا

نحوه دونما خوف ...... ودونما تردد

****************************************************************************


وقف جمال امام قصر منيف في احد الضواحي الفاخرة من المدينه فتقدم بضع خطوات ليقرع الجرس فحضر رجل

كبير السن كان من الواضح انه احد الخدم

- نعم ... تفضل يا استاذ؟

- مرحبا.... ارغب في الحديث الى الانسة حنان لو سمحت

- هل هناك من موعد سابق؟

- لا..... انا فقط شقيق احد صديقاتها و.....و اختي قد بعتت لها شيئا خاصا لابد ان اسلمه لها باليد

كان صوت جمال ونبرته يوحيا بالكذب والارتباك ولم يخفى هذا على الرجل الا انه لم يلقي بالا لهذا وقرر ان يخبر

سيدة البيت وان يترك الامر في يدها

- حسنا تفضل

عبرا الحديقة الواسعة الممتدة من البوابة الى باب المنزل ونادى علي سيدته فاذا بمرأة كبيرة قد ادركت

الستين من العمر او اقل قليلا تبدوا على ملامحها القسوة والبرود وتفحصت جمال من اعلى راسه الى اخمص

قدماه وقالت في صوت جامد يخلوا من أي ترحيب :

- نعم ؟...... ماذا تريد من حنان؟

صدم جمال من هذا الاستقبال البارد وادرك بان هذه المرأة هي زوجة العم الذي تحدثت عنها احلام فقال في
ارتباك :

- المعذرة ولكنه ..... ولكنه موضوع شخصي ارغب في ان احدث فيه حنان شخصيا

رفعت المرأة احد حاجبيها في حركة دلت على الاستهجان فردت في صوت قد ارتفعت نبرته هذا المرة :

اسمع يا سيد ... انك في بيت محترم وليس بامكانك الحضور كي........

قطع حديثها صوت حنان في دهشة : جمال؟؟

نسى جمال عند هذه النقطة وجود العجوز امامه والتفت بنظره نحو حنان التي قالت :

- لا باس يا خالة .... سوف اكلمه بنفسي

زمجرت السيدة في صوت دل على الضيق صائحة عند خروجها من الباب : هذا ما أنابنا من وجود هذه الفتاة

الوقحة في المنزل ..... سوف اخبر عمها.... سوف......

لم يسمعا بقية حديثها فقد صعدت الى الطابق العلوي و وسط استغراب جمال سألها: هل كانت زوجة عمك بهذه

القسوة معك دائما؟

صمتت حنان للحظة بدت في خلالها بوادر دمعة في عينها قبل ان تبتسم ابتسامة شاحبة :

لا بأس فهي هكذا دائما ... لقد تعودت على كلماتها ولم اعد اكثرت لها كثيرا ولكن اخبرني ... ما الذي اتي بك

الى هنا ؟ اعتقد ان احلام هي من اعطتك العنوان اليس كذلك؟

- نعم ولكني انا من اصررت على ذلك واردت ان اكلمك

- حسنا .... ماذا تريد؟

- حنان..... انا لم افقد الامل منك في المرة الاخيرة وقد اخبرتني احلام عن مرضك و رجعت الى نفسي

وادركت ان سعادتي تكمن في وجودي معك وان هذا المرض اللعين لن يقف في طريقنا ..... في المرة الاولى

لم تعطني جوابً وها انا اعيد سؤالي مرة اخرى.... حنان هل تقبلين الزواج بي؟

بهتت حنان وانسالت الدمعة هذه المرة وقالت في صوت ملأه الدهشة وسط بكائها :

هل ... انت مستعد للتضحية كي تتزوج من فتاة مصابة بمرض عضال ولم تعد لها في الحياة الا ايام معدودات ؟

....هل انت تحبني بكل هذا القدر؟

رد جمال فورا ودون أي تردد وقد تبادر الامل الى قلبه وان هذه المرة ستغير الحياة موقفها منه وستفتح له

ابواب السعادة ولو لمرة في حياته :

نعم يا حنان اني مستعد للتضيحية بكل شي ولا تقولي ان ايامك معدودات فالاعمار بيد الله وحتى لو كان مقدرا

لي ان اعيش يوما واحدا معك كزوج فيكفيني هذا

صمتت حنان وغلبها بكائها للحظات قبل ن تقف وتمسح دموعها وتقول في صوت جاهدت بان تخفي فيه ضعفها

وان تمزجه بلمحة من الحزم لم تجد له قوة في داخلها :

اسمع يا جمال .....انك شخص صادق ونبيل واخلاقك هذه تتمنى أي فتاة ان يحويها الرجل الذي سترتبط به

ولكنك لا تستحق هذا ...... لا تستحق ان تعيش مع زوجة قد اضناها المرض لا تستحق ان تتزوج من فتاة عاشت

نصف عمرها بين العيادات ومكاتب الاطباء وستعيش بقية ايامها تحتضر .... لا يا جمال انك .....

بترت جملتها ولم تعد تقدر ان تكبت دموعها بداخلها اكثر من هذا ولم تعد تستطيع ابقاء ذاك القناع الواهي من

الحزم الذي حاولت ايهام نفسها به فحاول جمال الحديث: ولكن يا حنا...

قاطعته بصوت مجهش بالبكاء : لا يا جمال انك تستحق افضل من هذا تستحق زوجة بكامل عافيتها , زوجة

تصونك وتحفظ بيتك , زوجة تعيش لك وتذكرك حتى بعد وفاتك لا ان تموت قبلك وان تتركك في حزن بقية

حياتك....... اسمع يا جمال ان عمي مسافر الى خارج البلاد لمدة طويلة وهو مصمم على ان اصحبه كي اتلقى

العلاج هناك وقد كنت رافضة هذا اما الآن فسوف اسافر معه .... ليس لكي اتلقى العلاج .. لا فقد فقدت الرغبة

في الحياة بل لكي ابتعد عنك ..... لكي اتركك لحياتك فانت لديك مستقبل اما انا فحتى الماضي لم يكن مزهرا

ولست ارى مستقبلي بافضل منه ........ انسني يا جمال .... انسى انك قد رأيتني في يوم من الايام ....انسى

كل النظرات التي تبادلنها وانت واقف على قارعة الطريق تنتظرني.... انسى الكلمات القليلة التي قلناها خلال

هاذان اليومان ......... اعرف بانك سوف تتعذب قليلا قبل ان تنسى ولكن صدقني ان نسياني يستحق هذا

العذاب فلعلك تدرك اني لست المناسبة لك.......... سارحل يا جمال وارجوك .......لا تذكرني

اكملت كلماتها وانطلقت باكية خارج الغرفة وتركت جمال في مكانه وقد ادرك حينها ان الامل الذي تبادر له منذ

دقائق ما هو الا وهم وان الحياة لا زالت تستمتع بتعذيبه بسادية مفرطة وان ليس لامثاله من مكان يحسون فيه

بالراحة وليس مقدرا لهم ان يشعروا بالسعادة بل مقدرا لجمال خاصة ان يحس بالعذاب وان يعيش طول عمره

في كنف البئس ....وفي كنف الحزن



انتهى بحمد الله

ليست هناك تعليقات: